أسباب النزاعات حول العالم

تنشأ النزاعات في كثير من الأحيان من الأفكار التي يكونها كل جانب عن الجانب الآخر أو ربما تحدث نتيجة للإختلاف الشديد في الطرق التي يحــاول بها الأفراد حل مشاكلهم. عادة ما يبدأ النزاع في شكل صراع على الموارد ولكنه يتطور ليأخذ شكل الصراع السياسي، ثم صراع ثقافي، ثم نزاع على الهوية. تشمل النزاعات المسلحة أطرافاً سياسية وعسكرية مختلفة التكوين والأهداف .........

 وقد تجد المساندة والدعم من بعض المواطنين المحليين المتعاطفين مع أحد طرفي النزاع ,والذين يرون فى هؤلاء الأفراد الذين يقاومون الدولة أبطالاً يجب إحترامهم وتوفير الدعم لهم. تؤثر النزاعات كثيراً على الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية للدولة وعلى مستقبل الشعوب ورفاهيتها.  

إن مسببات النزاع الأساسية هي العوامل السياسية والإقتصادية ,كما إن الإستخدام السيئ للموارد والتدهور البيئي وبخاصة الخلافات على الموارد المائية يمكن أن تكون من أسباب النزاعات كما حدث فى دارفور.كما تلعب العولمة التي تجعل الأحداث التى تحدث في أجزاء مختلفة من العالم مترابطة مع بعضها البعض  دوراً في تأجيج الحروب، حيث إنها تعمق الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة، وبين الفقير والغني داخل الدولة نفسها، يؤدي التفاوت في الثروات إلي الشعور بالإستياء ويعتبر من العوامل التى قد تقود إلى الحروب. إن من أسباب النزاعات كذلك عدم المساواة والعدل بين أفراد المجتمع الواحد, إضافة إلى غياب سلطة القانون وسلطان الدولة كما يحدث فى الصومال.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية,شهد العالم ما يقرب من مائتين وخمسين نزاعاً مسلحا دولياً وداخلياً بلغ عدد ضحاياها أكثر 170مليون شخص,أي يحدث كل خمس شهور تقريبا نزاعاً مسلحاً فى مكان ما فى العالم ينتج عنه خسائر في الأرواح والممتلكات والمـعدات . تختلف أشكال النزاعات وفقا لإعتقادات وتصورات ورغبات القوى المشاركة فيه, هنالك تواجد للنزاع في كافة أشكال السلوك الاجتماعي،تحكمه محاور وأسباب متباينة تساعد على تطورها,وتتطلب مجموعة متناسقة من التدابير والقواعد فى حلها،وهذه القواعد متشابهة بالنسبة لكل حالات النزاعات وإن تعددت مستوياتها. يمكننا حصر الأسباب التي تؤدى إلي الحروب فى الآتي:

1.          الغيرة والمنافسة وهى أكثر ما تجرى بين القبائل المتجاورة والعشائر المتناظرة .

2.    العدوان فهو في الغالب ما يكون بين الأمم الوحشية التى جعل أفرادها أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم في ما بأيدي غيرهم .

3.          غضب لله ودينه وهذا ما يعرف في الشريعة الإسلامية بالجهاد .

4.          غضب الملك وهى حروب الدول مع الخارجين عليها والمانعين لطاعتها.

قد يجرى النزاع  نتيجة لمجموعة من الرغبات والحاجات الخاصة رغبة فى الإنتقام أو لتحقيق منافع خاصة, وقد يحدث النزاع نتيجة لوجود مشكلات سياسية وإقتصادية وإجتماعية دفعت مجموعة من السكان للتمرد على السلطة ومحاولة الحصول على حقوقهم السياسية بالقوة ، فعندما يشعر أحد الأطراف أن هنالك مصالح يمكن أن يجنيها من جراء هذا  النزاع فإنه يندفع نحوه بقوة ،بغض النظر عن الأضرار التى يمكن أن يلحقها بالطرف الآخر وخرقه للأعراف والقوانين التى تلزم هذه الأطراف. وتنقسم الأسبــــــاب التى تؤدى إلي النزاعات والحروب الحالية الي أسباب داخلية وأسباب خارجية كما يلي:

الأسباب الداخلية

1.    النزاع حول إقتسام الموارد وكيفية توزيعها,وشعور بعض المجموعات بأنها لا تنال نصيبها من إمكانيات دولها وتسعى للحصول عليه بالقوة.

2.    النزاع حول السلطة وأسلوب المشاركة فى الحكم وتسلط بعض الأنظمة الحاكمة على مقدرات الشعوب, وسيطرة أقلية عرقية على مصالح الأغلبية, كما حدث فى بورندى ورواندا ,كل ذلك يؤدي إلي إستياء عام لدى الشعوب, وظهور حركات مسلحة معارضة لأنظمة الحكم ,وتصادم بين الشعب والحكومة تنتهي بحروب أهلية, تؤدى إلي دمار وهلاك الدول والشعوب.

3.    نزاعات الهوية والتباين الثقافي والإجتماعي والسياسي وظهور المشكلات الطائفية والعرقية كبواعث أساسية للصراعات, حيث تعاني بعض الدول من تركيبة سكانية معقدة, تختلط فيها الأعراق والطوائف, مما يترتب عليه العديد من المشكلات السياسية والإجتماعية, التي سرعان ما تتطور إلي توتر بين الطوائف وبعضها أو بين الطوائف والحكومة, ومن ثم تنقلب إلي حروب أهلية , ومثال ذلك النزاعات الطائفية فى لبنان والأكراد فى العراق وتركيا.

4.          النزاعات العرقية والدينية والأيدلوجية.(رواندا, الجزائر,  نيجيريا).

5.    النزاعات الطبيعية وتحدث نتيجة لبعض العوامل الطبيعية كنقص الأمطار وقلة مصادر المياه مما يؤدى إلي ظاهرة الجفاف والتصحر وبالتالي حدوث نزاعاًت حول مصادر المياه ومناطق الرعي كما حدث فى دارفور, فيتحول الخلاف الذى يحدث بين هذه  المجموعات من نزاع داخلي إلي نزاع عالمي نتيجة لتداخل مصالح إقليمية ودولية أخرى تساعد على تأجيج هذه الصراعات لتحقيق مصالحها .

6.    العوامل النفسية لبعض القبائل ودعاوى التهميش ,والإحساس بالنقص في جميع صوره والشعور بالدونية بين بعض طبقات المجتمع ,وظهور الحقد الطبقي نتيجة لتراكمات نفسية وإجتماعية عميقة يؤدى إلي الشعور بالحقد والكراهية ضد أفراد المجتمع الآخرين, وزيادة التوتر وكثرة النزاعات بين شعوب هذه الدولة أو بينها وبين السلطة الحاكمة.

7.    كما أن هنالك بعض العوامل الأخرى التى تساعد على زيادة التوتر والصراعات بين الشعوب مثل تدني مستوى المعيشة وتباين الإمكانات المادية وتغيرات التركيبة السكانية للمجتمع نتيجة للهجرات والنزوح والتأثر بالأفكار الأجنبية وتوافر الأسلحة بكميات كبيرة فى القرى والأرياف إضافة إلى التحولات التكنولوجية التى غيرت كثيراً من المفاهيم والعلاقات بين السكان كوسائل الإتصال وغيرها .

   

الأسباب الخارجية

1.    قيام الدول الكبرى بتقسيم العالم إلي مستعمرات وترسيم حدود هذه المستعمرات دون  مراعاة للتركيبة الأثنية والقبلية لتلك الشعوب مما أدى  إلي تشتت القبائل بين أكثر من دولة خاصة فى أفريقيا. إن النزاع الإقليمي على الحدود ومحاولة تعديل الحدود بين الدول ما فتئت تنشب من أجلها الحــروب, كما حدث بين العراق وإيران على شط العرب, والخلاف الحدودي بين الصومال وأثيوبيا على منطقة الأوجادين, والحرب الحدودية بين إريتريا وأثيوبيا, والخلاف الحدودي بين السودان ومصر حول مثلث حلايب , وغيرها من النزاعات الحدودية الأخرى.

2.    ضعف المنظمة الدولية وخضوعها لرغبات وتوجهات الدول الكبرى وعدم قدرتها على تحقيق التوازن والمساواة القانونية بين الدول ,بل أصبحت هذه المنظمة سبب رئيسي لإستمرار كثير من الصراعات بسبب عدم حيادها وتدخلها فى الشؤون الداخلية للدول إرضاءً لرغبات من يمدونها بالمال .

3.    انهيار الإتحاد السوفيتي وبروز الأحادية القطبية التى انفردت بها الولايات المتحدة الأمريكية,خلق عدم توازن فى إتخاذ القرارات الدولية.

4.    الصراع العقدي العالمي بين بعض العقائد والمجموعات الدينية الاخري, كالحرب الصليبية ضد المسلمين في أفغانستان وفلسطين والسودان بدعوى مكافحة الإرهاب. وهناك الحروب الأهلية التي تنشأ بين المجموعات المسيحية مع بعضها,كالصراع بين البروتستانت و الكاثوليك في أوربا.والصراعات بين المجموعات الدينية الواحدة ,كالصراع بين السنة والشيعة فى العراق . ومحاولات طمس الهوية الإسلامية فى البوسنة والهرسك, والضغوط  الأوربية على تركيا الدولة الإسلامية العتيقة للتخلي عن ثوابتها وتاريخها الإسلامي حتى يمكن لها الإنضمام للإتحاد الأوربي. 

5.    الفجوة الإقتصادية الكبرى بين الدول الكبرى ودول العالم الثالث, والصراع الإقتصادي بين هذه الدول لإيجاد موارد إقتصادية جديدة لها كالتنافس الإقتصادي بين أمريكا  والصين فى أفريقيا.

6.          إحتكار الدول الكبرى لوسائل القوة والتقانة وحرمان الدول الفقيرة منها.

7.          التنافس الشديد بين الدول فى صناعة وتطور الأسلحة والتكنولوجيا والسباق نحو التسلح .

8.    الأطماع الدولية فى السيطرة على المواقع الإستراتيجية العالمية كالقرن الأفريقي ومنطقة البحيرات العظمى ومعظم المضايق فى البحار والمحيطات والجزر العالمية لضمان حرية التجارة ولتسهيل التحركات العسكرية للأساطيل البحرية .

9.    الأطماع الدولية للسيطرة على الثروات الطبيعية من النفط والمواد الصناعية وغيرها من الثروات التي تذخر به القارة الأفريقية .

10.    حروب المياه التي يشهدها العالم ومحاولة الدول الكبرى للسيطرة على منابع المياه العذبة فى العالم .

من أشهر الكتاب الذين تحدثوا عن النزاعات والصدام بين الحضارات فى عالم اليوم هما الكاتبان الأمريكيان صمويل هتنقتون فى كتابه (صراع الحضارات) وفرانسيس فوكاياما وكتابه (نهاية التاريخ والإنسان الأخير), حيث يرى هتنقتون أن أساس  الصراع سيكون ثقافياً نتيجة للتباين الكبير بين حضارات وثقافات البشر , فى حين يرى فوكاياما فى كتابه حتمية سيادة النموذج الرأسمالي الأمريكي فى الإقتصاد والقيم فى العالم, وأن النظام الرأسمالي الليبرالي كنظام حكم بدأ يسيطر على العالم فى الآونة الأخيرة وبدأت الأيدلوجيات الأخرى كالفاشية والشيوعية والملكية الوراثية فى التراجع , ويرى فوكاياما حسب وجهة نظره أن النظام الرأسمالي ربما سيشكل المرحلة النهائية فى التطور البشرى وبالتالي يصبح هو نظام الحكم الأمثل وبمعنى آخر فإن الوصول إلي هذا النظام سيشكل نهاية للتاريخ البشرى.