الأحد

قادة اسلاميون - سيف الله المسلول

خالد بن الوليد (584 - 642 م) صحابي جليل و قائد ومخطط عسكري مسلم ، يعد من أعظم العقليات العسكرية في تاريخ البشرية ، غزا بلاد الفرس ، و إحتل بلاد الروم ، فيما يعتبر حاليا معجزة عسكرية لا تصدق ، لقب بسيف الله المسلول. قبل إسلامه كان خالد دائما في طليعة المقاتلين في كل المعارك التي دارت بين ...... 
المشركين و المسلمين وكان له دور بارز في إحراز النصر للمشركين على المسلمين في غزوة ( أحد ) ، حينما إستخدم تكتيكاً عسكرياً ما زال يدرس بإسمه حتي الآن في كبري الأكاديميات العسكرية فى العالم، فقد إستغل نزول رماة السهام المسلمين من علي الجبل للمشاركة في جمع الغنائم فدار خالد حول الطريق الذي تفر منه فلول المشركين المنهزمة واستغل انشغال المسلمين بجمع الغنائم ونزولهم من جبل الرماة الذى حددهم لهم الرسول صلى الله عليه وسلم دون أوامر منه , فقام خالد بتحقيق المفاجأة لقوات المسلمين بالمباغتة والهجوم عليهم من إتجاه كانوا يعتبرونه آمناً , وفى نفس الوقت أشار خالد الى قائد المشركين فى ذلك الوقت أبوسفيان الذى كان قد فر بجنوده طالبه بالعودة الى ميدان القتال مرة أخرى , فضغط أبو سفيان على جيش المسلمين بالمواجهة وخالد من إتجاه جبل الرماة بالخلف , فانتصر المشركين فى هذه المعركة واستشهد منهم عدد كبير منهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . حدث ذلك بفضل التخطيط السليم والإدارة الجيدة للمعركة وبعد النظر للقائد خالد بن الوليد.
ولد خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي في مكة كان إسلامه في شهر صفر سنة ثمان من الهجرة بعد صلح الحديبية، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند إسلام خالد : " الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً لا يسلمك إلا إلى الخير " ولد لأب شديد الثراء و رفيع النسب و المكانة هو الوليد بن المغيرة الذي قال فيه الله تعالي في كتابه الحكيم : ( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) الزخرف  31   القريتين هما مكة والطائف والرجلين هما الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة بِمَكَّة  وْ عُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ بِالطَّائِف.

تعلم الفروسية منذ صغره مبدياً فيها براعة مميزة ، جعلته يصبح أحد قادة فرسان قريش. كان خالد بن الوليد مترددا فى النظر للإسلام ، و حارب المسلمين فى غزوتي أحد و الأحزاب و لم يحارب فى بدر لأنه كان فى بلاد الشام وقت وقوع الغزوة الأولى بين المسلمين و مشركي قريش ، غير أنه بدأ يميل إلى الإسلام و أسلم بعد صلح الحديبية .


مخطط عملية معركة أحد

جبل أحد صورة حديثة



 كان خالد أيضا أحد فرسان قريش في غزوة الخندق الذين كانوا يتناوبون المرور علي محيط الخندق للعثور علي نقطة صالحة للدخول ، كما تولي خالد بن الوليد حماية مؤخرة جيش المشركين حينما قرروا الإنسحاب بعدما فشلوا في إقتحام الخندق.و في غزوة الحديبية قاد خالد بن الوليد كتيبة من مائتي فارس خرجت لملاقاة النبي ( صلي الله عليه و سلم ) و أصحابه لمنعهم من دخول مكة و قد أسفر الأمر عن عقد معاهدة بين المسلمين و المشركين عرفت بإسم ( صلح الحديبية).
إسلامه :

ذهب خالد ليعلن إسلامه بين يدي الرسول صل الله عليه و سلم برفقة صديقه عمرو بن العاص ، و من وقتها فقد تحول كره خالد بن الوليد الشديد للإسلام و المسلمين إلي بداية حالة نادرة من التألق الفكري و الذهني في خدمة الإسلام إلي أن أصبح من أعظم المخططين العسكريين في تاريخ البشرية , وبدأت معاركه وإنتصاراته مع المسلمين بمعركة مؤتة.

غــزوة مــؤتــة

 جهز الرسول ( عليه الصلاة و السلام ) جيشاً من 3000 مقاتل و كان يعد أكبر جيش إسلامي يخرج للحرب في ذلك الوقت و أسند القيادة لزيد بن حارثه و أوصي بأن يتولي جعفر بن أبي طالب من بعده و من بعده عبد الله بن رواحه و هو ما يعرف الآن بالتسلسل القيادي لمنع إنهيار تماسك القوات. ولم يتم تعيين خالد بن الوليد فى القيادة بحكم أنه كان حديث عهد بالإسلام.
توجه هذا الجيش في مطلع السنة الثامنة من الهجرة إلى منطقة الكرك جنوبي الأردن ليفاجأ زيد بن حارثة قائد الجيش بأن قوام الجيش الرومي يقترب من 170.000 مقاتل بين قوات رومية و قوات عربية و قبائل مجاورة تأتمر بأمر الحاكم الرومي
و إستقر الأمر بين قادة و فرسان جيش المسلمين علي الإستمرار قدما و القتال حتي آحر رمق ، و بدأت المعركة في منتهي العنف و القسوة و أظهر المسلمون براعة فائقة في التمسك بمواقعهم و قدرتهم علي التحرك السريع و تغيير إتجاهات هجومهم في سرعة أرهقت الجيش الرومي الذي لم يعتد مثل هذه المعارك التي يواجه فيها عدواً لا يضع الموت عائقاً أمام نصره.
بعد بداية المعارك ، إستشهد زيد بن حارثه فتولي القيادة جعفر بن أبي طالب الذى استلم الراية وقاتل بضراوة حتى قطعت يمينه رضي الله عنه ، فأخذ الراية بشماله فقطعت ، فاحتضنها بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة , وكان ينشد ويقول:
يا حبذا الجنة واقترابها ***  طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها *** كافرة بعيدة أنسابها
علي إن لا قيتها ضرابها  ***علي إن لا قيتها ضرابها
 و بعد إستشهاد جعفر تولي عبد الله بن رواحه راية القتال وأخذ يشدو بهذه الكلمات:

أقسمت يا نفس لتنزلن ***  لتنزلن أو لتكرهن
إن أجلب الناس وشدوا الرنة *** ما لي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة ***  هل أنت إلا نطفة في شنة 

يَا نَفْسُ إِنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِـي *** هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صُلِيتِ
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَـدْ أُعْطِيـتِ *** إِنْ تَفْعَلِـي فِعْلَهُمَا هُدِيـتِ


 فقاتل حتى لقى ربه فإستشهد ليتولي خالد بن الوليد القيادة في ظل ظروف من أصعب ما يمكن أن يواجه قائد عسكري عند توليه القيادة.

موقع معركة مؤتة بالأردن

و هنا ظهرت عبقرية خالد بن الوليد في واحدة من أبرع المناورات العسكرية في تاريخ البشرية ، فقد إستكمل خالد القتال بصورة طبيعية بعدما إستلم القيادة و في الليل أمر فرقة من الفرسان بأن يبتعدوا لما وراء سلسلة الجبال علي يسار جيش المسلمين و أن ينتظروا حتي ظهور أول ضوء للفجر ثم يبدأوا في الجري بخيولهم في دوائر واسعة بسرعة فائقة لإثارة أكبر كم ممكن من الأتربة و الغبار رافعين أصواتهم بالنداء الله أكبر ، و كان من الطبيعي أن يظن القائد الروماني أن هناك إمدادات قد وصلت لجيش المسلمين ، و إمعانا للخدعة فقد قام خالد بن الوليد بالتبديل بين فرقتي الميسرة و الميمنة و كذلك التبديل بين فرقتي المقدمة و المؤخرة لتتبدل الوجوه و ألوان الخيول أمام أعين الروم لتتأكد لديهم نظرية قدوم الإمدادات
ثم أقدم علي آخر ما قد يفكر فيه بشر في مثل هذه الظروف ، هاجم قلب جيش الروم هجوماً مباشراً بلا أي مناورات و ظل يضغط في إتجاة القلب حتي أرهق القوات الرومية الموجودة في هذا القطاع تماماً ، ثم أقدم فجأة علي فعل آخر أكثر غرابة ، إرتد فجأة إلي الخلف منسحبا بقلب جيشه و ميمنته و ميسرته ، فكان الإعتقاد الطبيعي عند القائد الرومي أنها مناورة للتطويق فلا يمكن أن ينسحب جيش المسلمين و قد وصلهم المدد و لديهم المبادرة في الهجوم فإرتد إلي الخلف قليلا و إنهمك في تعديل صفوفه و تعويض خسائر كتائب قلب جيشه ، فيما كان جيش خالد بن الوليد ينسحب بالكامل إنسحاب تكتيكي منظم و عاد بقواته سليمه بالكامل و قد سقط في هذه المعركة بكل أحداثها 13 شهيد مسلم فقط فيما يعد معجزة عسكرية تدرس حتي يومنا هذا في أعظم و أكبر المعاهد و الأكاديميات العسكرية في العالم
 حينما عاد خالد بن الوليد إلي المدينة بجيش المسلمين سليماً سماه الرسول ( عليه الصلاة و السلام ) سيف الله المسلول , و لقد ولاه الرسول ( عليه الصلاة و السلام ) على أحد الكتائب الإسلامية التي تحركت لفتح مكة فيما بعد و إستعمله الرسول أيضا في سرية للقبض على ( أكيدر ) ملك دومة الجندل أثناء غزوة تبوك.
كانت غزوة مؤتة أول غزوة شارك فيها خالد بن الوليد و قد ذكر أن خالد قد كسرت في يده 9 سيوف منذ بدء القتال حتي نهايته ، و يذكر أيضا أنه بعد وفاة القادة الثلاثة الذين أوصي بهم رسول الله ( صلي الله عليه و سلم ) إلتقط ثابت بن أقرم الراية و توجه إلي خالد مسرعا قائلا له : ( خذ اللواء يا أبا سليمان ) فرد خالد قائلا : ( لا ، لا آخذ اللواء أنت أحق به ، لك سن و قد شهدت بدراً ) فأجابه ثابت : (خذه فأنت أدرى بالقتال مني ، و والله ما أخذته إلا لك ) ليضرب هذا الموقف أكبر مثال علي نكران الذات للصالح العام و لإحترام الأقدمية و فارق السن
دور خالد بن الوليد في حروب الردة
بعد وفاة رسول الله ( صلي الله عليه و سلم ) قام خالد ين الوليد بدور بارز في حروب الردة حيث واجه كل من سجاح مدعية النبوة و مالك بن نويرة الذي ساندها و نفذ تعليمات الخليفة أبو بكر الصديق بأن يقتل كل من قتل مسلما أو ساعد في قتل مسلم ، ثم قام بمواجهة مسيلمة الكذاب مدعي النبوة و الذي كان لديه أكبر جيوش المرتدين و هزمه في معركة اليمامة و هي أكبر معركة خاضها المسلمين مع المرتدين ، و إشترك أيضا في معارك الإطاحة بالمرتدين من بني تميم ثم إشترك في المعارك ضد المرتد طليحة بن خويلد
دوره فى فتح بلاد فارس والعراق
قام خالد بن الوليد بدور عظيم في تحطيم الإمبراطورية الفارسية و تدمير جيوشها و خاض مع قواته معارك طاحنة مع الجيوش الفارسية من أهمها معركة كاظمة و معركة المزار و معركة الولجة و معركة الأنبار و معركة عين التمر و خلال كل هذه المعارك إستمر خالد في إبتكار و إستخدام تكتيكات عسكرية جديدة لم يسبق أن إستخدمت من قبل شكلت إنقلاباً شاملاً في فن التخطيط العسكري و لا زالت حتي الآن محل تحليل و دراسة من الخبراء العسكريين في العالم أجمع
دوره فى فتح بلاد الروم و الشام
أرسل الخليفة أبو بكر الصديق خالد بن الوليد لنجدة جيوش المسلمين في الشام و ذلك بعد أن أثبت خالد بن الوليد كفاءة غير عادية في العراق و دمر معظم جيوش الفرس ، و إنطلق خالد بن الوليد إلي الشام لمسانده جيوش المسلمين هناك و شارك في معارك طاحنة منها معركة فتح دمشق و معركة أجنادين و معركة فحل و معركة السوق و معركة اليرموك الكبري و أظهر براعة غير عادية في التخطيط العسكري أدت إلي نتائج مبهرة.
وفـــــــــــاتـــه
لم يهدأ خالد بن الوليد لحظه منذ أن هداه الله للإسلام و حتي لحظة أن فارق الدنيا منذ مؤتة و حروب الروم و الفرس و حتي فتح الشام و العراق حتي إنه عندما رقد في فراش الموت قال مقولته الشهيرة : " لقد شهدت مائة معركة أو زهاءها ، و ما في جسدي شبر إلا و فيه ضربة بسيف أو رمية بسهم ، أو طعنة برمح ، و هأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء " و كانت وفاته بحمص في 18 من رمضان 21هـ الموافق 20 من أغسطس 642م ، مات القائد الإسلامي العظيم و الصحابي الجليل و هو من قال عنه الصحابة : " الرجل الذي لا ينام ، و لا يترك أحداً ينام " وحينا سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه بوفاته قال : " دع نساء بني مخزوم يبكين على أبي سليمان ، فإنهن لا يكذبن ، فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي ....


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق