الخميس

أساليب فض النزاعات في الإسلام

اهتم التشريع الإسلامي بموضوع الحكم بين الناس في منازعاتهم، وأوضحت الآيات القرآنية أن ذلك من أهم الأسباب التي دعت إلى إرسال الرسل، وبعث الأنبياء، وإن إنزال الكتب السماوية إنما جاء لتحقيق هذا الهدف. قال تعالى. (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً).......................


 ويلعب التحكيم دوراً أساسياً  بصفته وسيلة من وسائل فض المنازعات يقوم بجانب القضاء والصلح،
حيث يعتبر أول وأقدم وسيلة من وسائل فض المنازعات عرفها الإنسان . وقد تطور التحكيم بمرور الزمن إلى أن أصبح عاملاً رئيساً في فض المنازعات في وقتنا الحاضر لا تختلف أسباب إنتهاء الحرب في الإسلام إختلافاً كبيراً عن تلك الأسباب التى   أقرتها القوانين والأعراف الدولية المعاصرة,تنتهي الحروب عند حدوث واحد من الحالات التالية:                              
1. إنتهاء حالة الحرب باستسلام العدو.
2. إنتهاء الحرب بالإنتصار علي العدو.
3. إنتهاء الحرب بالصلح.
4. إنتهاء الحرب بوقف العمليات الحربية .     

عند حدوث أي نزاع بين المسلمين وأعدائهم فقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومن بعده أصحابه رضي الله عنهم يقومون بإرسال المبعوثين والرسل لدعوة الناس للسلام والدخول في الإسلام . وقد استمدت هذه الوسائل التى كان يستخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمون من بعده في فض النزاعات السياسية أصولها من القران الكريم والسنة النبوية المطهرة وكتب الفقه, وتشتمل وسائل فض النزاعات فى الإسلام علي الآتي:
أولاً: الوسائل الوقائية وتشمل الشورى والحرية السياسية والتفاوض, والوفاء بالعهود  والمواثيق, والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
ثانياً: الوسائل العلاجية وتشمل الرد إلي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والصلح والأمان والتحكيم, والقتال إذا تطلب الأمر.

وقد نهى الدين الإسلامي عن قتال المسلمين بعضهم بعضاً ,وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يدعوا أصحابه إلى التعاون فيما بينهم ونبذ العنف, وكان يدعوا إلي وحدة الصف ضد أعداء الإسلام والإعتصام بحبل الله المتين وعدم التفرق ,قال تعالي{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}. وقال صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وقال تعالي{وَان طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَاصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَان بَغَتْ أحداهُمَا علي الأخرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلي امْرِ اللَّهِ فَان فَاءتْ فَاصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَاقْسِطُوا انَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }. تدل الآية الكريمة علي ضرورة وجود سلام دائم بين المسلمين وإذا نشب بينهم قتال فيجب حسمه حسب التسلسل التالي:
1.     الصلح بين الفئتين المتقاتلتين.
2.     قتال الفئة الباغية التى رفضت القبول بحكم الله في المسائل المتنازع عليها حتى ترجع إلي أمر الله وتقبل الصلح.
3.    الإصلاح بينهم بالعدل والقسط بعد أن تعود الفئة الباغية إلي أمر الله سبحانه وتعالى.

نماذج لبعض أعمال التحكيم وفض النزاعات قبل وبعد الإسلام

قبل ظهور الدعوة الإسلامية ,كان العرب في الجاهلية يلجأون إلي زعماء القبائل والعشائر لفض نزاعاًتهم,وكانت تتحكم فيهم عصبية وحمية الجاهلية فكانوا يصيبون أحياناً ويخطئون أحياناً كثيرة. من ابرز أعمال فض النزاعات التى حدثت قبل الإسلام والتي شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي:
حرب الفِجَار. حدثت في السنة العشرين من عمر النبي صلى الله عليه وسلم ,وقعت في سوق عُكاظ حرب بين قريش ومعهم كنانة وبين قَيْس عَيْلان، تعرف بحرب الفِجَار وسببها‏‏ أن أحد بني كنانة، واسمه البَرَّاض، اغتال ثلاثة رجال من قيس عيلان، ووصل الخبر إلي عكاظ فثار الطرفان، وكان قائد قريش وكنانة كلها هو حرب بن أمية لمكانته فيهم سناً وشرفًا، وكان الظفر في أول النهار لقيس علي كنانة، حتى إذا كان في وسط النهار كادت الدائرة تدور علي قيس‏,‏ ثم تداعى بعض قريش إلي الصلح علي أن يحصوا قتلى الفريقين، فمن وجد قتلاه أكثر أخذ دية الزائد‏.‏ فاصطلحوا علي ذلك، ووضعوا الحرب، وهدموا ما كان بينهم من العداوة والشر‏.‏ وسميت بحرب الفجار لإنتهاك حرمة الشهر الحرام فيها، وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ينبل علي عمومته أي يجهز لهم النبل للرمي.‏

حلف الفضول. وقع حلف الفضول في ذي القعدة ,في شهر حرام تداعت إليه قبائل من قريش‏‏ بنو هاشم، وبنو المطلب،وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فإجتمعوا في دار عبد الله بن جُدْعان التيمى, لسنِّه وشرفه، فتعاقدوا وتعاهدوا علي ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا علي من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وشهد هذا الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعد أن أكرمه الله بالرسالة‏ ‏(‏لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعي به في الإسلام لأجبت‏)‏‏.‏ وهذا الحلف روحه تنافي حمية الجاهلية التي كانت العصبية تثيرها.


وضع الحجر الأسود .لما قامت قريش بإعادة بناء الكعبة إختلف الناس فيمن يمتاز بشرف وضع الحجر الأسود في مكانه واستمر النزاع بينهم  أربع ليال أو خمساً، وإشتد حتى كاد أن يتحول إلي حرب ضروس في أرض الحرم، إلا أن  أحد زعماء قريش عرض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فإرتضوه، وشاء الله أن يكون ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه هتفوا‏ هذا الأمين، رضيناه، هذا محمد، فلما إنتهي إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعًا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلي موضعه أخذه بيده الشريفة فوضعه في مكانه، وهذا حل حصيف رضي به القوم‏.‏

أما بعد ظهور الدعوة الإسلامية وإنتشارها فقد كان المسلمون يلجأون إلي رسول الله ليرشدهم إلي الأسس السليمة لحل النزاعات مهتدين  بكتاب الله وسنة رسوله, وكانت هنالك عدد من الحالات التى تم فيها فض النزاع بطريقة سلمية لم تراق فيها الدماء منها:
صلح الحديبية. وقد تم في السنة السادسة للهجرة،حينما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعتمر، فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب، وساق معه الهدى، واحرم بالعمرة ليعلم الناس انه لم يرد حرباً، وانه إنما جاء معظما للبيت، ولكن قريشا صدته عن البيت، وجرت مفاوضات عظيمة مع زعماء قريش إنتهت بالصلح ، فإشترطت قريش شروطا جائرة عارضها عدد من المسلمين منهم سيدنا عمر بن الخطاب وعلي بن أبى طالب كرم الله وجهه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل هذه الشروط حرصاً منه علي السلام وتمكيناً للإسلام . وقد وافق الرسول صلى الله عليه وسلمعلي كثير من التعديلات في وثيقة الصلح  رغم اعتراض بعض الصحابة ,إذ رأى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن هذه الشكليات لا تؤثر علي مضمون الإتفاقية ووقف القتال وفضل أن تغلب المصالح الحقيقية والأساسية علي بعض الإعتبارات التي يتمسك بها بعض الناس.وقد كانت أهم قواعد الصلح لهذه الإتفاقية ما يلي.‏
1.     لا يدخل المسلمون مكة هذا العام ويدخلوها في العام التالي بشرط أن يكون معهم سلاح الراكب والسيوف في القرب ويقيموا بمكة ثلاثة أيام لا يتعرض لهم أحد.
2.      وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض‏.‏
3.     من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلي أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً علي ذلك الفريق‏.‏
4.     من أتي محمداً من قريش من غير إذن وليه أي هارباً منهم رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد أي هارباً منه لم يرد عليه‏.‏
سقيفة بني ساعدة. عندما توفي الرسول الكريم اكتشف المسلمون الفراغ الذي أحدثته وفاته صلى الله عليه وسلم وإختلفوا في من يتولى الخلافة بعده و كان المجتمعون في السقيفة ثلاث فئات هم الأوس والخزرج والمهاجرين وكان كل فريق يدعى بأنه أولى بالخلافة من الطرف الآخر . وتبودلت الخطب بين زعماء هذه القبائل إلي أن تقدم سيدنا عمر بن الخطاب وقام بمبايعة أبى بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين , وافق معظم الحضور علي هذا الرأي وقاموا بمبايعة أبى بكر الصديق خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وبذا تم حل هذا النزاع الكبير بطريقة سلمية وكان يمكن لهذا الصراع أن يؤدى لإنهيار دولة الإسلام الوليدة لو لا حكمة وإخلاص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فقد كانت خلافاتهم في أن كل فريق كان يرى ان له الحق في الخلافة بحكم مكانتهم من الرسول الكريم والدور الذى قاموا به في نصرة الإسلام ,لذا فإن إختيار أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان حلاً وسطاً عملياً أرضى جميع الأطراف.

وحتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان المسلمون يعقدون بإستمرار إتفاقيات ومعاهدات سلمية مع غير المسلمين نذكر منها:
1.    عقد عمر بن الخطاب رضي الله عنه معاهدة صلح مع الجراجمة وهم قومٌ يسكنون جبل اللكام بين بيزنطة والدولة الإسلامية وتضمنت الإتفاقية أن يكونوا أعواناً للمسلمين وعيوناً لهم وأن لا يُؤخذ منهم جزية.
2.    موقعة صفين سنة 37 هـ إذ وقع عقد التحكيم بين أنصار الإمام علي كرم الله وجهه,وأنصار معاوية بن أبى سفيان إلا أن الحكمين أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص إختلفا علي نتيجة التحكيم فإندلعت الحرب الشهيرة بين الطرفين.ولا يزال كثير من المسلمين يخشون عند اللجوء إلي التحكيم أن يصلوا إلي ما وصلت إليه نتائج التحكيم في تلك الواقعة, لأن تبعات هذه الواقعة كانت خطراً على الإسلام.
3.    عقد عبد الله بن أبي السرح والي مصر، في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه معاهدة سلمية مع أهل النوبة (السودان) تضمنت إقرار السلم بعد معركة طاحنة،فسألوه الصلح والموادَعة فأجابهم إلى ذلك على غير جزية،لكن على هدية ثلاثمائة رأس كل سنة،وعلى أن يهدي لهم المسلمون طعاماً بقدر ذلك.وبقيت المعاهدة سارية المفعول يحترمها الطرفان لمدة 600عام حتى وصول الحكم الفاطمي إلى مصر.
4.          عقد معاوية بن أبي سفيان في عام 59 هجرية معاهدة سلمية مع الروم لمدة 30 عاما.
5.          وفي فلسطين صالح أبو بكر الصديق رضي الله عنه في آخر أيامه أهل طبريا على نصف بيوتهم وكنائسهم .
6.    عقد السلطان صلاح الدين الأيوبي هدنة مع الصليبيين لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر , سمي صلح الرملة , تقاسم بموجبه صلاح الدين مع ريتشارد قلب الأسد, اللد والرملة مناصفة بينهما وتكون عسقلان بيد المسلمين ولكن خالية من السلاح وتكون صور إلى يافا بيد الصليبيين وصيدا وبيروت وبنت جبيل للمسلمين وكذلك القدس .
7.    عقد السلطان الظاهر بيبرس صلحا آخر مع الصليبيين لمدة عشر سنوات وعشر أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات , سمي بصلح عكا , تقاسم بموجبه عكا مع الصليبيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق